عرفت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، لسنة 1989، لأول مرة، الطفل، على أنه: (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ الرشد قبل ذلك، بموجب القانون المنطبق عليه)، ومعنى ذلك؛ أنه لابد من توفر شرطين، لكي نسمي الشخص طفلا، وهما: 1- ألا يكون قد بلغ سن الثامنة عشرة، 2-ألا يكون القانون الوطني قد حدد سنا أقل من ذلك.
وعُرف التسول (لغة)، أنه (تحسين الشيء وتزينه وتحبيبه إلى الإنسان ليفعله أو يقوله)، وسَـوَّلَ لَـهُ الشيطان أي أَغْـوَاهُ، قـالَ تَعـالى (الشيطان سَـوَّ لَ لَهُـمْ وَأَمْلَـى لَهُـمْ)، وهذا يعني أن المعنـى اللغـوي للتـسول يدور حـول الاســترخاء، والإغــواء، وتحسين الـــشيء القبيح وتزينه للإنسان ليقوله أو يفعله.
وعُرف التسول (اصطلاحا)، أنه (امتهـان طلــب المــال مــن النــاس، بــأي وسلة كانــت، دون مــسوغ شرعي)، ومعنى (الامتهان) أي جعـــل التــسول وســؤال النــاس مهنــة وحرفــة للمتسول، ويستمر علــى فعلهــا، وبهــذا القيد؛ يخرج من يطلب النــاس لمــرة، أو مرتين، أو لحاجــة معينة، ثم ينتهي. ومعنى (طلـب المـال) هو طلب كـل شـيء متقـوم وله قيمة، ويخرج بهذا القيد مــن يسأل العلم، ومن ينشد الضالة وغيرها. ومعنى (مـن النـاس) أي مـن كـل البـشر، فالمتـسول لا يفرق بين غنـي ولا فقير، ولا بين عربـي أو أعجمـي، بـل همه الحصول على المال، وجمعه. ومعنى (بأي وسلة كانـت) أي إنّ المتـسول يسلك أي وسيلة للحصول على المال من الناس، فقـد يعرض جراحـه أو آفاته، أو يستخدم عبارات يستعطف بهـا النـاس، فوســــائلهم كثيرة، ومتطــــورة، تختلــــف بـــــاختلاف الأزمان والأماكن. ومعنى (دون مــسوغ شــرعي) أي إن تــسوله هــذا، وطلبـــه للمال من الناس، لا يستند إلى سبب شرعي مباح.
وهنـاك بعـض الألفـاظ التـي تطلـق علـى التـسول، ويراد بها فعل التسول أيضا، ومنها لفظ(الاسـتجداء)، وهـو مـن الجِـدى، بكـسر الجيم، والجَـدْوَى العطية، والاستجداء الطلب. ولفظ (الــسؤال)، وهو من الفعل سال، والــسؤال الطلــب، ولفظ(الـــشحاذة)، وهو مـــن الفعــل شَـــحَذَ، وهــو الإلْحاحُ في السؤالِ.
فالتسول في الواقع هو (الوقوف في الطرق العامة، وطلب المساعدة المادية من المارة، أو من المحال، أو الأماكن العمومية، أو الادعاء أو التظاهر بأداء الخدمة لغيره، أو عرض بعض الألعاب البهلوانية، أو القيام بالأعمال التي تتخذ شعاراً لإخفاء التسول، أو المبيت في الطرقات، وبجوار المساجد والمنازل، وكذلك استغلال العاهات، أو استعمال وسيلة أخرى من وسائل الغش، لاكتساب عطف الجمهور)
والأطفال، والنساء، والرجال من كبار السن -في الغالب- هم من يمارسون التسول والاستجداء والسؤال، أو يُستخدمون في هذا العمل الدنيء، لمصلحة الغير ممن يستفيدون منه. إذ يستغلّ ضعاف النفوس، الأيتام والمشردين للتسول، مقابل توفير مأوى لهم في مكان ما، وتستغل عصابات التسول النساء والأطفال المشردين، بنسبة أكبر من الرجال والشباب لاستعطاف الناس، وحثهم على دفع المال، وفي نهاية اليوم يحمل المتسوّلون المال لمرؤوسيهم مقابل توفير الطعام والمأوى لهم. فقط كشفت دراسة أعدها (المركز العراقي لحقـوق الطفل) أن الأطفال الذكور يشكلون نسبة 56% من المتسولين مقابل44% مـن الإناث، ومعظم المتسولين تربطهم صلة قرابة بالمرافقين لهم، وبعضهم يتم استئجارهـم مقابـل مرتبـات أسبوعية أو أجـور يومية.
يروي بعض الناشطين الاجتماعيين بعض القصص التي تعاملوا معها أثناء عملهم التطوعي قائلين: إن بعض الصبية المشردين وقعوا ضحية لعصابات السرقة والمخدرات، إذ يقومون باستغلال صبية في أعمار صغيرة لتنفيذ عمليات سرقة خفيفة، أو رصد ومراقبة الأماكن التي تريد العصابات سرقتها، كما أن بعضهم يتم استغلاله في توزيع المخدرات إذ لا يتم الشك بهم أو ملاحظتهم لحداثة سنهم، وهو ما يهدد بخطر كبير على مستقبلهم وعوائلهم، وتضيف أن بعضهم يعتبرون أنفسهم مضطرين لممارسة هذه الأعمال المنافية للقانون من أجل إعالة عوائلهم والإنفاق عليهم، لصعوبة الوضع المعيشي للكثيرين منهم.
للتــسول أســباب ودوافـــع كثيرة، تختلــف بــاختلاف العصور والأزمان، ومنها: الفقـر والحاجـة: إذ يعد الفقـر والحاجـة سـببا مـن أسـباب انتـشار هـذه الظـاهرة؛ حيث أن الإنـسان الفقير يسعى مـن خـلال التسول إلى تأمين وسدّ احتياجاته من قوت وغيره. ومنها بطالـــــة: أي عـدم وجـود العمـل أو تركه لسبب ما، مما يدفع العاطل عن العمل إلى الحصول إلى احتياجاته من خلال فعل التسول أو الاستجداء، ومنها: المـشاكل الأسرية والاجتماعية؛ حيث تعـدّ المـشاكل الأسرية، والاجتماعية مــن الأسـباب المعاصـرة للتـسول، فالمــشاكل التي تحـدث فـي الأسـرة، ومـا ينتج عنهـا مـن تفكـك أسـري، كلهـا دوافــع لممارسـة التــسول والاســتجداء، كمـا أن المــشاكل الاجتماعية والأزمـات التـي تحـدث هـي دوافـع لزيادة ظـاهرة التسول.
كذلك تعد الحروب والنزاعات الداخلية سببا مباشرا أو غير مباشر لحصول ظاهرة التسول، ولاسيما (النزوح)، أي انتقال بعض الناس من مكان إلى مكان آخر، بسبب تلك الحروب والنزاعات، مما يتسبب في فقدان مصدر رزقهم، ولا يجدون مصدرا للرزق في مكان نزوحهم إلا التسول والطلب المال من الآخرين. ومنها أن التسول أصبح مهنة لفئة معينة مـن أبنـاء المجتمـع؛ حيث إن هنـــاك فئــة معينة مـــن المجتمــع جعلــت التسول والاستجداء مهنـة يعيشون عليها، وهـي وسيلة لكــسب الـــرزق، فيعلمون أطفـــالهم عليها منــذ الـــصغر، ويتوارثونها جيل بعد جيل، حتـى أصـبحت عـادة وعـرف متأصل عندهم. وقد تكون (ســــهولة التــــسول) في منطقة ما أو بلد ما، مــن الـــدوافع لظهـــور وانتـــشار هـــذه الظــاهرة، إذ إن المتـــسول لا يبذل جهــدا كبيرا فــي فعــل التــسول، وهــذا الفعــل لا يتطلب مستلزمات، فهو مهنة تدر المال، بلا أي مجهود.
ولا شك أن ممارسة التسول أو الاستجداء في الشوارع والاماكن العامة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان المتسول طفلا أو امرأة أو رجلا كبيرا أو معاقا، يترك آثار وخيمة على المتسول نفسه، وعلى أسرته، وعلى مجتمعه المحلي، فمن آثار التسول أنه يحط مـن كرامـة الإنـسان المتسول، لأن جميع وسائل التسول والاستجداء وسائل تعد مهينة للكرامة، وأنه يعرض المتسولين من الأطفال والنساء إلى الاسـتغلال، وبخاصّـة الاسـتغلال الجنـسي والمـادي، فكـم مـن جريمة زنا، أو اغتـصاب، أو سـرقة، كانـت ورائها ظاهرة التسول. واكتــساب الأطفـــال والبالغين سلوكيات وممارســـات غير مرضية، كالإدمــان، والتدخين، وغيرها.
فقد أكدت بعض الدراسات أن 90% من المتسولين والأطفال العاملين يتعاطون التدخين في محاولتهم لتقليد الكبار، والأخطر من ذلك الإدمان على المخدرات المحلية المتوفرة في الأسواق مثل استنشاق مادة التنر والبنزين والسيكوتين، وكذلك أنواع الحبوب المخدرة المختلفة التي تباع في الأسواق الشعبية كستيلازين وآرتين.. الخ.
وهــذا الأثـر يعد مـن الآثـار الخطيرة جـداً علـى الأفـراد، وعلـى المجتمــــع بأكمــــل، فالتـــــسول بيئة خــــصبة ومناســــبة لتخريج فئــة ذات سلوكيات تتعــارض مـــع القيم المجتمعية والدين، وتؤدي بالنتيجة إلى تدهور المجتمع، وتـشرد كثير مـن الأطفـال والبالغين، واعتيادهم النـوم فــي الـشوارع والــساحات العامــة، وهــذا أيضا مــشاهد، فالمتـسول لا يهتم علـى أي شـيء جلـس، أو علـى أي شــيء نــام، فبــسبب هــذه الظــاهرة أصــبحت الــساحات العامـــــة، وكثير مــــــن المنتزهــــات والحـــــدائق مـــــأوى للمتسولين، وخاصة من صغار السن.
من المؤكد أن ظاهرة تسول الأطفال، والنساء، وبعض كبار السن، والمعاقين، لها أسباب ودوافع مختلفة، وهي تبدأ من الأسرة، والمدرسة، والمجتمع المحلي، ومن المؤكد أن آثارها لا تقتصر على المتسول وحده، ولا على أهله وأصدقاءه، ولا على مجتمعه المحلي، فحسب، بل على المجتمع والنظام بأسره.
وعليه؛ فان الحد من ظاهرة تسول الأطفال، والنساء في الشوارع والطرق والأسواق، صحيح أنها مسؤولية المجتمع كله، حيث إن ظهور أطفال، أو نساء، أو معاقين، يلجئون إلى الأماكن العامة، والشوارع الرئيسة، ويتخذونها مكانا للتسول هي مؤشرات سلبية على وجود مشكلات حقيقية في بنية النظام المجتمعي والسياسي والاقتصادي. لكنها مسؤولية الحكومات أساسا، وليست مسؤولية فرد أو جهة بعينها. لماذا؟ لأن تسول هؤلاء -بغض النظر عن الأسباب- أضحى ظاهرة سلبية، تنتشر بسرعة ملحوظة، وهي بحاجة إلى إيجاد حلول واقعية لها، بمعزل عن مسبباتها الأخرى.
وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك، فإن على مؤسسات الدولة المدنية والأمنية أن تكون مستعدة لتلقف مثل هذه الإفرازات المجتمعية السلبية، لا أن تقف متفرجة عليها، وهي تنتشر في مساحات أوسع، وفضاءات أكبر، وتتحول إلى بؤر فساد يصعب استئصالها.
ويمكن إنجاز هذه المهمات من خلال تأليف فريق عمل متكامل من الجهات الحكومية ذات العلاقة في كل منطقة من مناطق البلاد، تتولى إنقاذ هؤلاء الأطفال والنساء وكبار السن من ممارسة التسول والاستجداء من خلال توفير أماكن ملائمة لهم، وتوفير احتياجاتهم من أكل وشرب، وتعليم وصحة، ومال، واحتياجات أخرى لهم ولأسرهم.
وقد اقترح بعض ذوي الاختصاص مجموعة من الحلول يمكن أن تنهي هذه الظاهرة أو تحدّ منها في العراق، وهي كما يلي:
1. على وزارة التخطيط؛ لاسيما الجهات المختصة والدوائر الإحصائية إجراء المسوحات الإحصائية الدقيقة، وبشكل منتظم، وتقديم دراسة كاملة عن الأطفال المتسولين، لغرض وضع الآليات الصحيحة والمناسبة لعلاج هذه الظاهرة.
2. على وزارة التربية؛ إلزام الأطفال على الالتحاق بالمدارس لانتشالهم من حالات التسول، وتشجيعهم على الانخراط في المدارس، لاكتساب الثقافة الصحيحة، والابتعاد عن السلوكيات التي يكتسبها الطفل من الشارع.
3. على وزارة العدل؛ إصدار التشريعات اللازمة للحد من مزاولة التسول، وخصوصاً للأطفال، سواء التسول العلني أو المخفي (البائعون الجوالون في الساحات والطرق العمومية ومراكز العبادة وغيرها)، إضافة إلى التعهد بعدم ممارسة تسول الأطفال ومحاسبة رب العائلة الذي يدفع بأبنائه لامتهان التسول، ووضعه تحت المسألة القانونية.
4. على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؛ رفع مستويات حصة الفرد الواحد من الدخل القومي، والحد من الفوارق في مستويات الدخل بين الأفراد، وتقليل الفروقات النسبية ضمن برنامج تنموي يساعد على ذلك، كما حصل في كثير من دول العالم والتي كانت تعد من الدول الفقيرة.
5. على وزارة الداخلية؛ القضاء على العصابات الإجرامية التي تستغل الأطفال في مزاولة التسول وأمور إجرامية أخرى. حيث إن هذه الظاهرة الخطيرة تخفي خلفها ظواهر أشد خطراً، منها تجارة الأعضاء البشرية، والمخدرات، والدعارة، واستغلال الأطفال حتى في أعمال العنف. وهذه الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي العراقي على المدى القريب والبعيد.
6. على وسائل الإعلام؛ التوعية الإعلامية الشاملة، وتسليط الضوء على أهم الانتهاكات والمشاكل التي يتعرض لها الأطفال، فضلا عن إبراز الجوانب المضيئة في تأهيل أطفال الشوارع وتحويلهم إلى أفراد نافعين في المجتمع.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق